
تقرير:مريم معوض
مرت على مؤتمر باندونغ التاريخي ثمانية وستون سنة،وقد يعد هذا المؤتمر الذي انطلقت منه صيحات الحرية والاستقلال بحق مؤتمر الحرية والسلام،حيث عالج العديد من القضايا الإستعمارية في مقدمتهم القضية الجزائرية، ولعله من المناسب جدا أن نقف وقفة تأمل مع ما قدمه هذا المؤتمر من دعم دبلوماسي للثورة الجزائرية، خاصة وأن ذكراه يتزامن مع الإحتفالات المخلدة للذكرى ال ٦٨ لثورة الفاتح أيضا.
وسعت الدّول الآسيويّة إلى تشكيل منظمة إقليميّة تقوم على جمعها، حيث عقدت مؤتمر العلاقات الآسيوية في نيودلهي في عام 1943، إلا أن اختلاف وجهات النظر بين الوفود حال دون تشكّل هذه المنظمة، ثم ما لبثت الهند وباكستان وإندونيسيا إلى أن قاموا بالدعوة لعقد مؤتمرٍ في مدينة باندونغ، فقد اتسعت قاعدة عضويته لوفودٍ أفريقية وآسيويّة، حيث بدأ المؤتمر في 18 إبريل من عام 1955. واستمر لمدة 6 أيام، فقد حضرته وفود 29 دولة،كما دعت لحضوره أربع حركات تحررية (تونس والجزائر والمغرب وقبرص)
و شاركت فيه جبهة التحرير الوطني بوفد يتكون من السيدين:
حسين آيت أحمد ومحمد يزيد، وعلى الرغم من تميز كفاح الشعب الجزائري ومطالبه عن مطالب البلدين الشقيقين المغرب وتونس إلى أن الجبهة لم تشارك بوفد منفرد وإنما شاركت ضمن وفد مشترك يضم ممثلين عن جبهة التحرير الوطني وحزب الدستور التونسيالجديد، وحزب الاستقلال المغربي.
وقدم الوفد المشترك مذكرة شرح فيها الوضع المأساوي الذي تعيشه شعوب شمال إفريقيا مع ملحق يخص القضية الجزائرية يطالب فيها بالاعتراف للبلدان الثلاث بحق تقرير المصير.
وقد كانت للوفد الجزائري عدة أنشطة تمثلت في تعريف المؤتمرين بالوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب الجزائري، وأكد على أن الشعب الجزائري الذي حمل السلاح تحت لواء جبهة التحرير الوطني لن يهدأ له بال حتى يحرر بلاده من براثن الاستعمار، وطلب من المؤتمرين تقديم الدعم.
وكان هذا المؤتمر بمثابة نقطة الانطلاق الأولى لحركة عدم الانحياز، حيث ساد بين الحضور روح من التفاهم أطلق عليها روح باندونغ، غير أن مفهوم عدم الانحياز إلى أيّ من القوتين العَظميين لم يكن في حدّ ذاته هو المعيار الموجود مع هذهِ الوفود، إذ كان بينها بعض الدّول التي ترتبط بتحالفاتِ وَثيقة مع الولايات المتّحدة، أو الاتَحاد السوفيتي.
كانت هناك الصين الذي كانت ذات ارتباط وثيق كبير بالاتحاد السوفيتي، أيضاً اليابان ذات الولاء للولايات المتّحدة، مع تراشق الاتهامات الحادّة بين بعض الوفود المشاركة، خاصّة بين الصين وباكستان حول تزايد الخطر الشيوعي، حيث أكد للوفود أهميّة وضرورة عدم الانحياز لأيّ قوة من القوتين، فهو ما يفسّر أعمال دعوة بعض الدول المرتبطة بتحالفات مع المعسكر الشيوعي أو الرأسمالي للحضورِ في مؤتمر بلغراد سنة 1961.
مبادئ مؤتمر باندونغ:
لم تحُل الانتماءات السياسيّة المتعارضة، بين الدّول الحضور في باندونغ دون صياغة عشرة مبادئ، التي تعد ميثاقاً للعلاقاتِ بين هذه الدول من أهمها:
- احترام حقوق الإنسان.
- سيادة جميع الدّول والعمل على وحدتها.
- عدم التدخّل في شؤونها.
- تسويّة المنازعات بالطرق السلميّة
نتائج مؤتمر باندونغ:
توطيد العلاقات الشخصيّة بين بعض زعماء الدّول الحاضرة، فقد كان باندونغ أول رحلة للرئيس المصري جمال عبد الناصر بعد نجاح ثورة يوليو خارج مصر، حيث توطدت العلاقات بينه وبين الزعيم الهنديّ نهرو.
ويرجع تسمية “عدم الانحياز” إلى خطاب ألقاه نهرو في أبريل من عام 1955، حيث رأى في عدم الانحياز هوية مستقلة ودوراً إيجابي نشط، ليس موقف سلبي إزاء التكتلات الخارجيّة،مع امتداد النصف الثاني من الخمسينيات لقد تبلورت لحركةِ عدم الانحياز قيادة ثلاثيّة ضمّت كلّ من: نهرو،والرئيس اليوغسلافي تيتو، وجمال عبد الناصر.
حيث استفادت هذه القيادات من تصدرها لحركةِ عدم الانحياز في خدمةِ تطلعاتها القوميّة.
ولقد وجد الرئيس تيتو في الحركة عنصر مؤازر له بعد قطيعته مع الاتحاد السوفيتي.
أما بالنسبة للرئيس نهرو فقد وجد فيها عوناً له في مواجهة التهديدات الصينيّة،أيضاً ضغوط الأحلاف العسكريّة الأمريكيّة في آسيا.
أما بالنسبة للرئيس عبد الناصر فقد كان يحتاج إلى مساندة عالميّة له، أثناء صعوده إلى السّلطة خاصّة أنه كان حديث عهد فيها يضمن له استقلال مصر.